موسم الزيتون في التراث الشعبي الفلسطيني: عيد الريماوي

لمحة تاريخية عن شجرة الزيتون)
إن تاريخ شجرة الزيتون يتوه في بطون التاريخ إلى أقدام عصوره ويختلف العلماء في مواطنها. فمنهم من يقول أنه أرمينيا أو آسيا الصغرى ومنهم من يقول أنه سوريا ولكن أغلبهم يتفقون على أنه الشرق الأدنى ومنه انتقلت إلى جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وشرق أسيا. والظاهر أن اعتماد أصحاب الرأي الأول أي الذين يقولون أن مواطنها آرمينيا وآسيا الصغرى مبني على ما جاء في الكتاب المقدس وهو أن نوحا عندما رست سفينته على جبل أراراط وأطلق الحمامة التي عادت إليه بغصن الزيتون الأخضر, في فمها (سفر التكوين 8 ـ10) غير أن هذا لا يثبت أن موطنها هناك, ولكن الإشارة إلى ذكرها من عهد نوح دليل على شدة قدمها فلم يسبقها في الذكر المدون من الأشجار المثمرة إلا شجرة التين وذلك في قصة أدم وحواء عليهما السلام وهما لا يزالان في الجنة. والأرجح أن شجرة الزيتون نشأت في هذه الديار (سوريا وفلسطين) ذات المناخ الأنسب من مناخ آراراط.
وفي الأزمنة الغابرة عرف الإغريق زراعة الزيتون. وكان زيت الزيتون يقوم في حياتهم مقام الزبد والصابون والغاز حيث كان يستعمل للطهو والغسيل والإنارة فضلا عن استعماله كمرهم عطري مستحب في المناخ الجاف.
لقد كان أساس الوجبة اليونانية يتألف من الخبز والزيتون وكان الزيت يستعمل في كل طعام تقريبا وكان اليونانيون يدلكون أجسامهم بالزيت بدلا من الصابون حيث لم يعرفوا صناعته وكانت وسيلة الإضاءة الوحيدة عندهم هي مسارج الزيت.
وكان الزيتون يعصر في معاصر خاصة فكانت المعصرة الأولى ينتج منها زيت الطعام ومن الثانية زيت الاستحمام ومن الثالثة زيت الإضاءة وما يبقى بعد ذلك من قشر فيستعمل كوقود و في الأساطير اليونانية أن الربة أثينة هي التي أدخلت شجرة الزيتون في إقليم اتيكا في وقت لم تكن قد نبتت بعد في أي جهة أخرى من بلاد اليونان, غير أن اكتشاف معاصر الزيت في قصر مينوي بمدينة كنوسوس الكريتية يرجح أن الزيتون أصيل في بلاد اليونان وأن إكليل الزيتون كان هو الجائزة اليونانية المفضلة منذ الدورة الأولمبية الأولى.
وثمة حقيقة هامة تتصل بالزيتون فهو لا ينضج إلا بعد مدة طويلة من غرس أشجاره التي لا تعطي محصولا كاملا إلا بعد ستة عشر عاما أو ثمانية عشر عاما وقد لا تعطي أجورد محصول إلا بعد أربعين أو ستين سنة ولهذا أصبح غصن الزيتون رمزا للسلام لأنه يحتاج إلى فترة سلام طويلة تحت ظل حكومة قوية تكفل الأمن لكي تتاح الفرصة لأشجار الزيتون لكي تنمو وتنضج.
لهذا كان الزيتون نعمة أسبغتها الطبيعة على أتيكا ولكنه كان نقمة عليها في بعض الأحيان ذلك أن إتلاف مزرعة الزيتون لا يعني كما يحدث في حالة حقل من القمح ضياع سنة واحدة بل ضياع رأس المال كله. ولهذا أصيبت أتيكا بأضرار رأس المال كله.
ولهذا أصيبت أتيكا بأضرار فادحة بسبب التخريب الذي أ حدثه الفرس بأراضيها في الحروب الميدية 490 ـ467 ق.م.
والاسبرطيون في الحروب البلويونيزية 431, 404 ق.م.
ولا يوجد معلومات وافية عن شجرة الزيتون عند الأمم القديمة التي سكنت فلسطيني كالحثيين واليبوسيين والأموين ولكن يفهم مما ورد في التوارة أن شجرة الزيتون كانت كثيرة الانتشار في هذه البلاد فأطلق عليها (أرض الزيتون والزيت) ويدل على هذا أن صناعة استخراج الزيت كانت معروفة قبل موسى عليه السلام بين شعوب هذه البلاد الذين لا بد أن يكونوا قد اكتسبوا على مر السنين خبرة عملية في كل ما يتعلق بشجرة الزيتون وثمرها.
ولا تزال بعض القرى والأماكن في وقتنا الحاضر يدل اسمها على ما كانت تتمتع به من شهرة باستخراج الزيت من الزيتون منذ التاريخ القديم منها (قرية) (زيتا) من قرى نابلس وكذلك (زيتا) من قرى طولكرم و(زيتا) من قرى الخليل (وبيرزيت) في لواء رام الله و(عين الزيتون) من قرى صفد و(وادي الزيتون) من أراضي نابلس و(سيلون) قرب ترمسعيا بين نابلس ورام الله ولا تزال بعض هذه الأماكن تشتهر بالزيت حتى وقتنا هذا مثل (بيرزيت) و(زيتا) كما اشتهرت في التاريخ القديم قرية تقوم (في فلسطين حيث تقع إلى الجنوب الشرقي من قرية أرطاس ـ بيت لحم).
ويعتبر جو فلسطين بأسره صالحا لازدهار شجرة الزيتون فيه بعلا أو سقيا ولذلك قل أن تجد منطقة من مناطقها لا ترى فيها أشجار الزيتون.
أما بالنسبة لأثر المطر على الزيتون فإن أمطار آذار بصفة خاصة لها دور هام جدا في محصول الزيتون ذلك لأنها تساعد على عقد نواة الزيتون بصورة فعالة, وتعتبر أمطار آذار إذا شفعت بسقوط أمطار في نيسان بشير خير عام يشمل كل المحاصيل. أما بالنسبة لأمطار الخريف فإنها إذا سقطت مبكرة بكميات غزيرة فإنها تعتبر مفيدة لمحصول السنة وكذلك لمحصول سنة قادمة.
وبالنسبة للبرد والحر: حيث يعتبر جو فلسطين من وجهة عامة معتدلا إلا في المرتفعات كصفد ـ والقدس ـ ورام الله والخليل وغيرها فإنه أحيانا يكون ذا شتاء قارس تسقط خلاله الثلوج في تواريخ متباينة من السنة قد تشمل أواخر آذار, ومهما اشتد برد هذه البلاد فإنه لا يشكل خطرا على أشجار الزيتون بل على العكس من ذلك فإن الأهلين يستبشرون من اشتداد الرد وسقوط الثلج ويعتبرونه مبشرا بموسم خصب ولذلك يقولون (القح الزيتون) واللقاح هنا بمعنى روي في هذه السنين لشدة فتك البرد بكثير من الحشرات (مثل ذبابة الزيتون) التي يقل ضررها في سنين الثلج الغزيرة ولا يدوم البرد مدة طويلة في بلادنا بل سرعان ما ترتفع درجة الحرارة فيزول خطر البرد.
أما بالنسبة للحرارة فقلما تشكل خطرا في فلسطين يحول دون تقدم زراعة الزيتون فيها وذلك لأن شجرة الزيتون تتحمل درجة حرارة حتى فوق 50 مئوي فوق الصفر إذا توفر الري أما خارج المناطق الغورية أي الساحلية والمرتفعات فقلما تتعدى درجة الحرارة الأربعين صيفا ولذلك تعتبر مناطق زيتونية ممتازة بشرط أن يتوفر سقوط الأمطار.
الأنواع الأساسية التي تتفرع منها شجرة الزيتون:
1ـ شجرة الزيتون الجوية.
2ـ الزيتون البري.
أما أنواع الزيتون في فلسطين كثيرة ويستعمل قسم منها لاستخراج الزيت وقسم منها للكبس وهي:
1ـ الصوري ويستخرج منه الزيت.
2ـ النبالي ويستعمل للزيت ومنه الأنواع التالية وهو أكثر الأنواع انتشارا: النبالي المحسن, نبالي جميع نبالي برقين.
3ـ المليص أو الصري وهو من الأنواع الزيتية.
4ـ التلياني ويستعمل للكبس وهو قليل الانتشار.
5ـ الشامي ومن شامي دير الغصون, شامي الرامة, شامي قباعة (قرية من أعمال صف), شامي جبع وكلها أنواع للكبس.
6ـ الذكاري الكبيرة ويسمى ذكار لأنه قليل الحمل فيسميه المزراعين ذكر( ويعتقدون أنه يلقح الأشجار وهو قليل الانتشار ويستعمل للكبس).
الأنواع الأجنبية التي دخلت إلى فلسطين ما يستعمل للكبس منها: السيفلانو ـالجروساد ـ أسبانية ـ الشايخلوت ـ ريال ـ بلانكيت ـ الباروني ـ سانت كاترين وغيرها.
ما يستعمل للزيت: تلماني ـ الشملالي التل ـ روسيت ـ روجيت ـ فرنتيو وغيرها.
* الأزهار (الابراز)
تبدأ حراثة شجرة الزيتون مرتين أو ثلاثة أما على الدواب وبواسطة المحراث البلدي أو بواسطة التراكتور وتسمى الحراثة الأولى كسارة أو كراب والثانية ثناية والثالثة تثليت.
وفي آذار تبدأ الشجرة بأول عملية في تكوين الحبة الإبراز ألا وهي عملية التلسين حيث تكون الحبة في بداية تكوينها على شكل لسان ولا يعرف أهو برز أم رعان ثم تبدأ بعدة مدة عملية ظهور البرز بوضوح ويعقبها التفتيح ثم العقد وعند العقد يطلب الفلاحين وعلى شكل دعاء من الله سبحانه وتعالى أنه يبارك المحصول ويهيء له جوا مناسبا فيقولون يا ربي ندى وسموم عند عقدك زيتون حيث أن الندى والحرارة يضمنان عقد طيب ومحصول جيد ويعتقدون أن الزيت يبدأ يتكون من الثمر في ايلول وبعد الصليب حيث يقولون (في ايلول بدور الزيت في الزيتون) وتستمر عملية النمو حتى 15 تشرين أول وأوائل تشرين ثاني حيث تبدأ بعدها عملية قطف الزيتون التي تعرف كذلك (الجداد).
زيت الطفاح ـ (الخراج)
قبل عملية الجداد بشهر أو شهر ونصف تبدأ عملية الجول وهي جمع ما يتساقط من حب الزيتون وعند تجميع كمية منه يدرس على اليد أو يدق بمدقة قاسية أو بواسطة حجر يسمى درداس وبعد الدراس يوضح الزيتون المدروس في سطل غسيل حديدي كبير ويوضع فوق الزيتون المدروس ماء ساخن يغلي وبعد ربع ساعة من تحريك الدريس مع الماء في السطل يقفز الزيت إلى أعلى حيث تبدأ عملية رفع الزيت عن طريق وضع الكفين مجتمعين بجانب بعضهما البعض ويسمى هذا الزيت زيت إخراج أو إطفاح.
عملية قطف الزيتون (الجداد)
يقطف الزيتون في فلسطين بطريقة الجد (بالعبية) والطوالة والشاروط حيث يستعمل للشجر العالي. وهناك نظام متبع في بعض المناطق وهو نظام الطلقات ويعني: تقسيم مناطق الزيتون في القرية إلى أقسام حيث يسمح لأهالي القرية بقطف الزيتون من مناطق محددة فقط دون أن يسمح لهم بقطف الزيتون من مناطق أخرى إلا في مواعيد الطلقة المعينة لها.
وهذا نظام تعاوني إذ من الدارج أن يقوم من ليس لهم أشجار زيتون في منطقة الطلقة بمعاونة الآخرين وهذا عرفيا نوع من المقارضة حيث يستغني الفلاح عن تأجير عمال لقطف زيتونه في طلقات أخرى من اللصوص إذ يعين أهل القرية نواطير لحماية هذه المناطق منهم أو من يخرق قانون الطلقة.
ـ الخراطة:
وتعني عدم استعمال العصى في القطف بل الأيدي فقط وتستعمل في هذه الطريقة السيبة والسلم وذلك لكي يستطيع الجداد أن يصل إلى أعلى فرع في الشجرة. وهذه هي الطريقة المستعملة حاليا نتيجة التقدم العلمي والتجربة عند الفلاحين ذلك استعمال العصى يكسر الأغصان الصغيرة التي تحمل الثمر في العام القادم. ويقوم بجمع حب الزيتون المتساقط عن طريق الجد بالعصى النساء وتسمى «اللقوطات» حيث يجمعنه في الملقط والقرطلة أو السل وعند امتلائها تفرغ في كيس كبير مصنوع من الخيش يسمى ( أو خط أحمر) وعندما يمتلأ الكيس ينقل إلى الدار على ظهور الحمير والبغال والجمال.
زيت البدوده
وفي أيام الجداد كان الجدادون وعندما يحتاجون إلى الزيت يعملون زيت البدوده حيث كان يختار من الزيتون الأسود كبير الحجم حيث يوضع هذا الزيتون في نار وبعد شوية في النار يوضع في سله ويوضع فوقه حجارة ثقيلة لكبسه وربصه وبواسطة هذه العملية يخرج الزيت إلى قناة توصل إلى حفرة في الصخر (مقر) تكون قد أعدت أو اختيرت لهذا الغرض. وزيت البدوده لذيذ الطعم وطعمه كطعم السمنة والبلدية وسبب الطعم اللذيذ هو الحرق في النار وقد كانت هذه الطريقة شائعة قديما أما اليوم فتكاد تكون نادرة جدا.
وموسم الزيتون موسم مبارك عند الفلاح حيث يعتمد كثير من القرويين على الزيت في حياته اعتمادا كليا ولهذا عبر الفلاح عن فرحه بهذا الموسم بأهازيج وقصائد حيث يقول الجدادون مع اللقوطات اثناء جد شجرة الزيتون وتساقط الحب:
يا زيتونه بومسري
هريلي بلح هري
يا زيتونة بو عرموش
هريلي ذهب وقروش
كذلك لم يفت على الفلاح أن يتفاخر بزيتونته ويحبها حيث يقول:
زيتونتي ياحبها بلح بلح
لو يدري بها القاضي سرح
زيتونتي يا حبها جرجير
بخص لو يدري بها الخنزير
هذا ولم يفت عن بال الجدادين أن يقولوا ما يرفع هممهم ومعنوياتهم اللقوطات للسرعة في العمل حيث يبدأ أحد الجدادين بالقول والآخرين يرددون ما يقول:
شمس غربت لاحت
مثل الخيل ولو لاحت
وام الخيل ترد الخيل
وأم الخيل ما ترتد
إلا بلجام وعدة
ويأتي دور اللقوطات في قول يسلين به أنفسهم ولرفع همة الجدادة:
صبايا يوبنيات
حمام الروع يبات
ولا نجوز النذل
ولا بنبغاه لو مات
ولا نبفرش حصيرة
ولا بنرمي مخدات
وعندما يكون الموسم قليلا ويسمي شلتونه يعتب الفلاح على زيتونته وبعد الخدمة الجيدة كقوله:
يا زيتون الحق عليك
واطلع زيتك من عينك
كما أن النسة يتوسلن للشمس ألا تغيب لكي يستطعن إتمام مهامهن في البيت :
ياشمس اقفيلي
تني اعجن عجيني
وقعدنا الصغير
بناغي في السرير
يا قماطة حرير
من عند الخليل
وتمدح الصبايا من اللقوطات أنفسهن على شكل غناء ثم يبدأن بالحط من قيمة العجائز من اللقوطات لعدم مجاراتهن في العمل:
حطو العجائز في بير
وارموا علين خنزير
وكان ما يقداهن
لطع البقر حناهن
وحطوا الصبايا في الدار
ورموا عليهن عطار
وكان ما يقداهن
حنا الشام حناهن.
ويغني الناس والجدادون للزيتون فيقولون:
يا زيتون الحواري
صبح جدادك ساري
يا زيتون اقلب ليمون
اقلب مسفن بالطابون
بجدك بالجدادة
وبدرسك في البدادة
ويقول الجدادة هذا الحداء متخيلين كيف أنهم سيبيعون زيتهم أو مناداة الدائن لاستداد دينه
يا هذا هات ظروفك
ريت السعادة تحوفك
وتحوفنا وتحوفك
وتنفرد الحدادة في هذا الحداء للتعبير عن مزاجهم في شكل تهكم على العجايز
ياغزيل يا غزال
لا تروح درب الشمال
بلاقوك الترجمان
يعملوا جلدك رباب
للشيوخ والشباب
كل ما مرقت صبية
حرك الشب الرباب
وكل ما مرقت عجيز
دس رأسه في الجراب
وهناك أهازيج يتسلى بها الجدادين أثناء العمل للتخفيف عن كاهلهم من التعب:
ويش هالشويخ اللي أجانا
شق البحر وأجانا
شق البحر من شقه
جاب العلم من حقه
كن قال أنا بردان
وأوقد تلة النيران
لما ادفا وادفا
كن قال أنا وهجان
واطلعته ع علية
شباكها غربية
لما هوى واتهوى
كن قال أنه جوعان
فجبتله اللبنية
فيها الكبب مدحية
لما شبع واتشبع
كن قال أن عطشان
فجبتله البقبيقه
ومغز غزة بريحان
لما روى واتروى
كن قال بدي أجوز
فجبتله الفلاحة
بقرونها ملتاحة
كن قال ما تقداني
ولا تملي لي ذاتي
ولا تعمر لي داري
ولاتربي ازغاري
فجبتله المدنية
ياشعورها ملوية
كن قال ما تقداني
ولا تملي لي ذاني
ولا تعمر لي داري
ولا تربي ازغاري
فجبتله الزطية
زفافة العرساني
كن قال ما تقداني
ولا تملي لي ذاتي
ولا تعمر لي داري
ولا تربي ازغاري
فجبتله النورية
دقاقة الوشاي
كن قال ما تقداني
ولا تملي لي ذاني
ولا تعمر لي داري
ولا تربي ازغاري
فجبتله العجيز
إمهرتمه لسنان
كن قال هذه تقداني
وهذي تملي ذاني
وهذه تعمر لي داري
وهذه تربي ازغاري
ولم ينسى الجدادون ذكر الأداة التي يجدون بها زيتونهم كالآتي:
ورحت على البلوط
وقطعتلو شاروط
ظليت أهوره وأهوره
لما وقع طنطوره
لما خرى اللبنية
فيها الكبب مدحية
ورحت على البرية
وقطعتلو عبية
ظليت أهورره وأهوره
لما وقع طنطوره
لما خرى اللبنية
فيها الكبب مدحية
ـ ومن أغاني الترفيه عن الجدادين ما يلي :
يا عم قالت غالية
ست الغوالي غالية
تهجم على جحش الصبر
الظهر وسط القالية
أه وياه من أم وقاه
بحط الغرض ما بلقاه
لقمتها متين رغيف
مع قنطار بصيصيله
ـ ولم يفت عن بال الجداد أن يتغزل بالنبات لأن موسم الزيت يذكر الجدادين بالزيجة والزواج لأن الزيت مصدر رزقهم فتراه يعطي رأيه ووصفه في كل سن للفتاة كالآتي:
ثلاث بنات يا خالي
أما الزغيرة تحلالي
تمشي حط وبشيل ونط
غزال فط من قبالي
أما الوسطى يا خالي
أما الوسطى تحلالي
تمشي هز بثوب القز
عزال فز من اقبالي
أما الكبيرة يا خالي
الكبيرة تحلالي
تمشي هل وخصرى انحل
غزال فل من إقبالي.
وبعد الظهر وبعد التعب يبدأ الحدادون بقول يخففون به من تعبهم حيث يبدأون أهازيج هزلية للتسلية كما يلي :
الجاجة راحت دار أبوها زايرة
طلعت على حيطانهم دارجة
وقفت على منقارها غميانة
يا دمها طيح سبع وديان
يا ريشها فراش للنعسان
مصرانها حبال للجمال
يا شحمها في لحمها قلوها
عزموا عليها الأهل والخلان
أحلف لكم يا جماعة ما حكيت الزور
متين ليلة طبخنا شقة العصفور
وعزمنا عليها حلب والشام واسطنبول
وكان ما بتصدقوا هي اللحم قي قاعات الدور
ـ وهناك تقاصيد تشترك فيها اللقوطات وذلك تبدأ إحداهن بالقول وترد البقية عليها شطرة ثانية كالآتي:
يابنياتي يا نعم ياما
بدي أجوزكن على مين ياما على هالفلاح
الفلاح ما بنريده
يدخل ويخرج ومساس البقر في أيده
يا بنياتي يا نعم ياما بدي أجوزكن
على مين ياما
على هالراعي
الراعي ما نريده
يدخل ويخرج وعصاة الغنم في أيده
يا بنياتي يا نعم ياما
بدي أجوزكم على مين ياما
على هالشفير الشفير ما نريده
يدخل ويخرج ومفتاح السيارة في أيده
يابنياتي يا نعم ياما
بدي أجوزكن على مين ياما
على ها الأستاذ
الأستاذ نريده
يدخل ويخرج والهدية في أيده
ـ ولقد فضل الفلاح الزيتونة وجعلها أحسن عروس حيث قال:
زيتونتي أطيب عروس
ما بتثمن بالفلوس
تحميني الفقر البؤس
ومن شر يوم عبوس
ما أحلاها وقت النوار
والشجر بدون أزهار
ويذكر الجدادون على شكل مديح يذكرون به الله ونبيه الكريم لاعتقادهم أن هذا الزيتون أرزقهم إياه الله مع ذكر بعض الحيوانات التي ترتبط بالبرية:
والنبي صلوا عليه
وألف صلى الله عليه
وألف صلاة ع محمد
والبعير قبل إليه
و الغزالي زارته
زارته واختارته
قالت جرني يا مختار
جرني من لهيب النار
روحي كن الله جارك
روحي رضعي صغارك
راحت تجري بالترتيب
و ابزازها يهرين حليب
وارضعوا يا دا الولاد
وارضعوا من دا الحليب
من شفاعات الحبيب
والحبيب محمد
في الجنينة مخلد
يقول كذلك الجدادون على لسان اللقوطات عن حب النبات ووصف جمالهن:
قالت غي لما الغي
جمالي كماه صبي
وأنت يا جمالنا
يا شيال حمالنا
ويش عبرك ع دارنا
عبرني حب البنات
البنات الغاويات
والعيون السود ذبل
والحواجب مقرنات
ـ كما ويشترك الجدادة مع اللقوطات في هذا الغناء الغزلي مشفقين على الصبايا الجميلات الرقيقات عندما يحضرن إلى كروم الزيتون لتلقيط حب الزيتون:
صبايا منين إتمشين
ومن الزرقا يا للعين
ويجرين الجلاله
على شوك البراري
يا ريت الشوك ما كان
ولا انخلق ولا بان
عمنه دقدق الزين
كن راح الزين حردان
بالله يا غلمان تردوا
وردوا بعطيك الفدان
وتشدوا بأرض حوران
بيجي الفول قفول ـ قفول
والقمح ملوش عيار
ـ وفي الهزل يقولون:
حدوة حدوة
مقلى بعجوة
ووكلة وحدي
وأظل احدي
عصر الزيتون:
بعد جني المحصول تبدأ عملية عصر الزيتون وقد مرت عملية العصر على مراحل كمعلية العصر على البد قبل ما نشاهده الآن من المعاصر الحديثة التي تدور بواسطة الماتورات والقشط وبواسطة محركات كهربائية.
هناك طريقة قديمة جدا استعملت قبل استعمال البد في عصر الزيتون وتعمل كالآتي:
كانت توضع حشبتان في الأرض وتثبتان. بواسطة صبة شيد ويكون أطرافهما مقدوحين وقطر القدح يقارب(10) سم وتوضح بينهما خشبة طويلة مقدوح رأسها ينفد من الثلاث خشبات قضيب من الخشب سمكة (10) سم ويكون رأس الخشبة من الجهة الأخرى وطوله يزيد عن (4) م وكانت توضع السلاسل المملوءة بالزيتون المشوي أو المسلوق في الماء قريبة من الخشبتين الثابتتين وتحت الخشبة الكبيرة وهناك يضغط الرجال (البدادة) على رأس الخشبة المقابلة للخشبتين الثابتتين وبهذه الطريقة تكبس الخشبة على السلال فينزل الزيت في حفرة تكون قد خصصت لهذا الغرض.
طريقة العصر في البد:
والبد طريقة قديمة وكان حجر البد يدار بواسطة الرجال حيث كانوا يربطون حبالا على بطونهم وتكون البال متصلة بخشبة البد التي تسمى الدوار ثم استعملوا البغال والخيل فيما بعد.
البد
والبد عبارة عن حجر كبير يسمى (القصعة) يدرو فوقها حجر الدراس المدور وهو ثقيل جدا مثقوب من وسطه وتتصل به خشبة ضخمة وطويلة تخترق حجر الدراس عن طريق ثقب في وسطه وتسمى هذه الخشبة (الدوار) حيث تتصل كذلك بثقب خشبة تكون ملاصقة لحجر الدراس وتكون في وضع عمودي تسمى (خشبة البد) وتتصل من أعلاها بثقب في خشبة تكون ممدودة ومتصلة بالجدارين الذين يقعان باتجاهها الأفقي ثم تخترق الخشبة الطويلة (الدوار) المتصلة بججر الدراس وبالخشبة الملاصقة له, ثقب خشبة صغيرة يبلغ طولها نصف متر وعرضها نصف متر كذلك تسمى (الطبق) وعلى آخر هذه المجموعة يأتي مسمار من الخشب ضخم نوعا ما ووظيفته مسك جميع هذه المجموعة ويسمى مانع الطبيقي بقي أن نذكر أن الخشبة العمودية الملاصقة لحجر الدراس التي تتصل في أسفلها برأس حديد مبروم يدرو في نقطة من حديد يدعى (الصوص) ذلك لأنه كلما دار البد يخرج صوت كالصوص ونقطة الحديد هذه ثابتة في منتصف القصعة في حجر يبرز عن القصعة في منتصفها ويسمى (بالقرمية) وأما بالنسبة لعملية العصر بواسطة البد فهي كما يلي:
كانت عملية العصر في البد تتم بواسطة مكبس والمكبس الذي كان يستعمل في البد يختلف عن مكابس الوقت الحاضر فهو عبارة عن عمودين من الحديد يدخلان في قاعدة من حديد مجفنة (أي بها انخفاض) ليوضع فيها قفاف الدريس ويوضع في أعلى العمودين قطعة من الحديد تكون الأعمدة بارزة منها وتسمى الطليفحة (و لا يقل وزنها عن طن) مقدوحة في منتصفها يدخل منها عمود من الحديد مسنن وهذا العمود يحمل في أسفله صينية حديدية سميكة وهي عبارة عن المكبس ـ ويرتفع هذا المكبس ويهبط بواسطة درس حديدي يكون في العمق المسنن الحامل للمكبس ويتحرك بواسطة مسنن أصغر منه ويحرك المسنن الصغير بواسطة منجنيق (المناويلا) وعند العصر ينزل الزيت في معصرة(جوره) مقصورة بالشيد أو حفرة في الصخر أن تصادف وجود الصخر في المكان المخصص لتلك الحفر.
كان الزيت قديما يوضع في جرار سعة الجرة من 22,5 كغم إلى 30 كغم إلى 33 كغم تسمى الواحدة منها (كحف) وبعض الناس كانوا يضعونه في آبار وذلك عندما يكون المحصول كثيرا ولا يزال بعض الناس حتى يومنا هذا يضع محصوله لكثرته في آبار كما يوضع في براميل تتسع لـ (70) رطلا وأخرى كبيرة تتسع (130) والزيت في هذه الأيام أفضل من الماضي فقد كان الزيتون يوضع على بعضه البعض مدة طويلة مما يجعله يتعفن وتكثر نسبة حموضة الزيت, وتسمى المادة المتبقية من جراء عصر الزيتون بالجفت وله استعملات عديدة حيث يستعمل كوقود أيام البرد في الشتاء ويستعمله القرويون للطوابين وكذلك يباع للشركات حيث يعاد عصره ويستعمل ما يخرج منه في صناعات كثيرة كما وتقوم على عجم حب زيتون صناعة المسابح حيث تستعمل لأغراض دينية لقداسة الزيتون.
صناعة الزيتون
يصنع من حب الزيتون الرصيص من الزيتون الأخضر وكذلك المملوح من الزيتون الأسود والكامر حيث يؤخذ من الزيتون بعد وضعه على بعضه البعض مدة طويلة أو يوضع الحب الأسود من الزيتون داخل الجفت في كيس نايلون كما ويصنع من زيته الصابون ومن خشبه التحف والصلبان والجمال وأشياء أخرى حيث يقبل الناس على شرائها نظرا لقدسية الزيتون كما ويستعمل خشب الزيتون كوقود وخاصة عند القرويين حيث يستعمل لأغراض الطبيخ وتسخين الماء للغسيل على الموقد (ثلاثة حجارة على شكل مثلث) وللتدفئة أيام الشتاء.
فبالإضافة إلى صناعة الصابون من الزيت واستعماله لأغراض الأكل والطبخ فإن له استعمالات أخرى منها طبية حيث كان الزيت يملأ قارورة صموئيل عندما مسح أول ملك على إسرائيل واكتسب درجة في القدسية بحيث لا يزال يستخدم حتى يومنا هذا في مسح جبهة المشرف على الموت.
كما ويستعمله القرويون على شكل لزقة توضع على صدر المريض عند النزلات وذلك بوضع خرقه من القماس في زيت ساخن ثم تفرد وتوضع مكان الألم ويستعمل الزيت كملين للمعدة ومنظف للكلى من الرمل ولإذابة الحصو لاحتواء الزيت على حوامض وله نتائج طيبة في هذا المجال.
ويستعمل كذلك في عملة التجبير وكمصفف للشعر وكمغذ لبصيلات الشعر وقد كان يستعمل قديما للإنارة بواسطة مسارج فخارية حيث استعمله الأقدمون وكان وسيلتهم الوحيدة للإنارة.
مثلما كان عماد حياتهم حيث لا تقدم وجبة من طعام إلا ويكون الزيت أحد أصنافها.
الزيت والزيتون في الأمثال الشعبية:
ـ «الزيت ملك العاجز» يقصد أنه لا يحتاج إلى عناية كبيرة.
ـ «أبعد أختي عني وخذ ثمرها مني» لتوسيع المسافة أثناء الغرس.
ـ « مثل ما بدك منها بدها منك » أي كما تريد منها زيت تحتاج منك إلى رعاية.
ـ « قنبني ولا تكربني» للدلالة على أن التنقيب أهم من الحراثة.
ـ « الجناين جنون والملك زيتون» أن كل الأشجار لا تصلح أن تكون ملكا كالزيتون ولا تعمر مثله.
ـ « سيل الزيتون من سيل كانون» للتدليل على أهمية مطر كانون.
ـ « إن دفع في آذار حضروا له الجرار».
ـ « يارب ندي وسموم عند عقدك يا زيتون».
ـ «الزيت عماد البيت».
ـ «الزيت مسامير المعصب» للدلالة على فائدة الزيت للإنسان عن طريق الأكل والدهن.
ـ « كلوا من الزيت واهنو به » حديث عن النبي (ص) .
ـ « القمح والزيت سبعين في البيت » دلالة على تأمين البيت من الجوع ـ المليسي.
ـ « زيته طيب وأما لقطه بشيب» للدلاة على زيته الطيب والمشقة من تلقيط حبه.
ـ « النباتي زيته سيال وأما لقاطه عجال في عجال » للدلالة على جودة زيته وسهولة تلقيط حبه.
ـ « الري زيته مري» للدلالة على رداء هذا النوع.
ـ « الزيتون إذا بدك تهفيه شقه وخليه» إذا أردت إهلاك الزيتون فاتركه دون حراثة.
ـ « إن خرج من شباط فحضروا له البطاط » و«إن خرج في آذار فحضروا له الجرار» و« إن أخرج في نيسان فحضروا له الفنجان».
ـ « أيام الزيت اصبحت أمسيت» للدلالة على قصر النهار وقت القطف.
قدسية الزيت
ولم يهمل الإنجيل شجرة الزيتون بل أشاد بذكرها في مواضيع منها تعبير بديع يشبه الزيت بروح الله وذلك في مثل العشر عذارى الحكيمات والجاهلات, واعتبر الزيتون الري في الإنجيل وأعمال الرسل كناية عن الرجل الوثني أما الزيتون الجوي فكناية عن كنيسة المسيح عليه السلام وذكر استعمال الزيت في شفاء المرض في رسالة يعقوب الرسول «أمريض أحد منكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب» «اصحاح أية 14» وورد في إنجيل مرقص ما يشعر بذلك« واخرجوا شياطين كثيرة ودهنوا بزيت مرضي كثيرين تشفوهم».
وبالنسبة للزيت في القرآن الكريم فقد ورد ذكره كما هو موجود في الآية الكريمة الآتية:
قال تعالى «الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري… يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسه نار نور على نور».
كما أن الله سبحانه وتعالى أقسم بشجرة الزيتون «والتين والزيتون وطور سنين» وقد عرف العرب فضل الزيتون زمن الرسول الكريم محمد (ص) الذي دعا لشجرة الزيتون بالبركة وقال (ص) «كلوا من الزيت وادهنوا به فإنه فيه شفاء من سبعين داء منها الجذام».
أساطير الزيتون
1ـ التين أنا كتيت الورق
الزيتون أنا قلبي احترق:
يقال بأنه عندما توفي الرسول الكريم محمد (ص) سقطت أوراق الأشجار حزنا عليه ما عدا شجرة الزيتون فتعجبت الأشجار من ذلك غير أنها في السنة التالية سمعت صوت دوي هائل تبين بعد ذلك أنه صادر من أشجار الزيتون التي انفجر قلبها ويبس من شدة الحزن ولذلك فكل زيتونة محروق وسطها تعتبر رومية من ذلك العهد.
واتفق أن تحدثت تينة مع جارتها الزيتونة فأظهرت التينة أسفها على وفاة الرسول فقالت أنا كتيت (اسقطت) الورق فقالت لها الزيتونة أنا قلبي احترق أي أن حزنها كان أشد من حزن جميع الأشجار.
2ـ يقال أنه قديما تحاورت بنت السهل مع بنت الجبل عند عقد الزيتون الذي يصادق مع أيام الفريكة للزرع فقالت بنت السهل.
« ياربي ندى ومبردا عند نقض المرودا».
فردت عليها بنت الجبل « ياربي ندي وسموم عند عقدك يا زيتون لو مابدور في السهل ولا طاحون».
وعلى هذا أرجو أن أكون قد وفقت في إعطاء القارئ الكريم فكرة عن هذا الموسم الذي هو موسم من مواسم أهلي وبلدي موسم الخير والعطاء من أرضنا الطيبة وشجرتها المباركة وحكايتها في تراثنا الشعبي الفلسطيني حكاية طويلة تضرب جذورها في أعمق الأعماق مع شجرتنا وشعبنا.