أخبرني ماذا تقرأ وسأخبرك من أنت
ترجمة: نورة العميد
تدقيق: رحاب أحمد
مراجعة: آلاء آل مسعد
عندما بدأ إلون موسك مشروعه سبيس إكس، ظن الجميع أنه مجنون، ليس بسبب أن اكتشاف الفضاء صناعة تهيمن عليها الحكومات فحسب، بل لأنه شخص لا توجد لديه أي مؤهلات في تقنية الفضاء تمكنه من إنجاز شيء ذي فائدة هو أمر أقل ما يقال عنه أنه جريء.
مع مرور الزمن بدأ يتنازل ذلك الشك المبدئي حيث كان يُرى حينها أنه مشروع موسك الصغير، لقد أنجز مشروع سبيس إكس فعلًا، ما كان يبدو أمرًا مستحيلًا فتحول ذلك الشك إلى دهشة وفضول، ونظرًا لمدى انشغال موسك بالجانب الهندسي للأشياء، كان دائماً ما يُسأل عن كيفية تعلمه الكثير عن الصواريخ.
وما كان جوابه؟ “إنني أقرأ الكثير من الكتب”، إنه جواب يجعلك تريد أن تضحك، لا يختار الناس العاديون عادة أن يجعلوا من علم الصواريخ هواية ينمونها من خلال القراءة، لكنه أمر يمكن تصديقه، كثيرًا ما سمعنا أن الناس الذين نعجب بهم غالبًا ما يعزون كثيراً من نجاحهم إلى تعطشهم للمعرفة وحبهم للكتب وحتى في حياتنا لنا جميعنا تجارب في تأثير القراءة علينا كقصة طفولة محبوبة وكاتب ملهم وتلك الرواية، ما زلت لا أعتقد أن معظمنا يستوعب أن كمية ما نقرؤه وأحياناً كيفية ما نقرؤه يحدد من نكون بشكل غير ملحوظ.
مدخلاتك تُشكل مُخرجاتك
اللغة هي أداتنا الأساسية للتواصل والطريقة التي نستخدمها في بناء معرفتنا وتنظيمها وهي ما يسمح لنا بالتفاعل مع بعضنا البعض، خارج نطاق تجربتنا المباشرة اللغة هي أيضًا طريقتنا في تصور الواقع إلى حد كبير، تجتمع المعلومات التي تشعر بها من خلال الأشياء المحيطة بك وتخلق أنماطا لغوية ولا شعورية في عقلك عن كيفية سير العالم وأفضل طريقة للتفاعل معه، جزء من هذا يحدث من خلال المحادثات الشفوية أو الاستماع إلى شيء بالمجمل، لكن بالنسبة لمعظم العاملين في مجال المعرفة والشخص العادي في الدول المتقدمة جزء أكبر من ذلك يحصل نتيجة لما نستهلكه.
أنت ما تقرؤه، فالمعلومات التي تدخلها في عقلك تُعلّم أنماط تفكيرك وتؤثر على مخرجاتك وفي شكل القرارات التي تتخذها وتفاعلك مع الآخرين، ذلك دافع كبير كي تجعل من أولوياتك أن تضع وقتاً لتفكر في ماذا تستهلك وكيف تستهلكه وفيما إن كنت تقرأ ما يكفي للتقدم الذي تريد إحرازه، إنه سبب قد يجعلك تتوقف وتنظر إن كان باستطاعتك أن تفعل أي شيء كي تُشكّل توجه عقلك.
المدخلات بالطبع لا تعني الكمية بالضرورة، إن الارتباط بين كمية ما تقرأ أو تستهلك وبين ما تستطيع عمله أو ما ستصبح عليه يبدأ بالتقارب بعد نقطة معينة والكثرة لا تعني الجودة دائمًا، إن هذا يعتمد كليًا على ماهية جودة مصادرك الهامة للمدخلات وأهمية هذه المصادر لا يمكن الاستهانة بها.
ليس لديك وقت لتقرأ؟
الكثير منا مشغول بحياته ولديه الكثير من المسؤوليات، يمكننا أن نتفهم أنه لا يوجد دائمًا وقت للقراءة خلال اليوم، ولكن هل الأمر كذلك حقا؟ قد يكون هذا صحيحاً لنسبة قليلة جدًا منا وأعتقد أنه مجرد عذر للغالبية، إننا لم نفكر بجدية بكيفية تمضيتنا للوقت وماذا يمكننا أن نفعل بخصوص ذلك، هناك من يقرأ هذه المقالة وقد وقع عليها مصادفة ليمضي وقت فراغه وهو في نفس الوقت ممن يشعرون أن ليس لديهم ساعات كافية في اليوم لقراءة ما يريدون.
من الطبيعي أنني أريد أن يجد كثيرون عملي وأن يستفيدوا منه شيئًا ويكملوا قراءته، فهذا ليس تذمرًا من جانبي ولست أعتقد أن ما أكتبه مضيعة لوقتك عمومًا، المسألة هي أنه حتى لو اعتقدنا أننا لا نقرأ فنحن نقرأ فعلًا، حين نمضي 20 دقيقة في تصفح تحديثات صفحاتنا على فيسبوك فنحن نقرأ، حين نختار أن ننقر على عنوان جذّاب من مصدر أخبار مشكوك فيه فنحن نقرأ، أيضًا حين نتصفح بلا سبب فنحن نقرأ.
الفرق الوحيد هو أن هذا النوع من القراءة ليس مقصوداً، إنه أمر يحدث في حياتنا اليومية بشكل تلقائي، إنه ليس مضيعة للوقت فحسب بل يحدد بشكل سلبي في كثير من الأحيان كيفية رؤيتنا للعالم من حولنا وتفكيرنا به وتحليلنا له، القراءة يجب ألا تكون شيئًا يحدث لك، بل يجب أن تكون شيئاً أنت تقوم به بفاعلية وينبغي أن يتم بوعي، فإن كنت تشعر أنك لا تملك الوقت لتقرأ ربما يجب أن تفكر مليًا.
كن متأنِياً
لقد تضاعف عدد الكتب المنشورة لكل عام في السنوات العشر الماضية، ستنتج 10 أضعاف البيانات المنتجة في عام 2013 بحلول عام 2020، نحن نعيش في عصر فيض المعلومات وستصبح القدرة على تمييز ما له قيمة من الخواء صفة صعبة على نحو متزايد، إن تأثير القراءة ليس واضحا دائمًا ونتيجة لهذا الكثير منا لا ينتبه لما تتلقاه عقولنا ونستجيب لأي تشويش يقودنا العالم إليه ولن يكون هذا التشويش طريقنا المثالي إلى المستقبل.
خلاصة الحديث هي أن واحدة من أهم المهارات في حياتك هي طريقة تفكيرك، فهي تؤثر على كل شيء بدءًا بما تُنتج وحتى نظرتك للعالم، الأمر يعتمد عليك في تطوير ذلك من خلال استهلاك مدخلات ذات قيمة، هذا لا يعني تمامًا أنه يجب عليك أن تكف عن قراءة ما ليس له فائدة أو له صلة مباشرة بحياتك، إن الأمر يتعلق بقيامك بكل شيء بشكل متأنِ، قلل من التصفح بلا هدف والأخبار عديمة الفائدة وتحديثات وسائل التواصل الاجتماعي، اقرأ بعض الأعمال الكلاسيكية والقصص الخيالية الجيدة وتعلم من الناس الذين يفكرون بعمق، إن جودة عقلك تعتمد على هذا.
الوسوم:WordPress